ما أكثر المرات التي وُجِهَت فيها أصابع الإتهام لألعاب الفيديو، بكونها تسبب الإدمان، مشاكل صحية ونفسية، كما تؤثر على المستوى الدراسي وغير ذلك، أجل كل ذلك صحيح، وأي لاعب يعي ذلك قبل أن يقالُ له، لكن المضحك أنه أحيانا يقوم الإعلام -وغير الإعلام- بإلصاق التهم للألعاب بشكل لا منطقي، كجرائم القتل والسرقة. لن نقول أن ألعاب الفيديو عالم من الحلوى الهلامية والفطائر المحلاة، فلكل شيء حدان، لكننا سنتحدث بمنطق وسنرى ماذا تقول الدراسات عن ألعاب الفيديو.
دعك من ذلك الجهاز واذهب للقيام بواجباتك، كثير من الأشخاص يسمعون هذه العبارة مرارا وتكرارا، والسبب أن الوالدين يخافون من تأثير ألعاب الفيديو على المستوى الدراسي للاعبين خاصة الصغار منهم بما أن الكبار يعلمون متى يتوقفون في الغالب، أو أن مشاغل الحياة كالعمل والعائلة تجبرهم على ترك اللعبة في وقت محدد. الألعاب تؤثر على المستوى الدراسي بشكل أو بآخر، لكن لا يمكن توجيه الإتهام لألعاب الفيديو دون غيرها من النشاطات، لأنه في هذه الحالة لن نقوم بربط الأمر بألعاب الفيديو وإنما بالوقت الذي تأخذه ألعاب الفيديو، فمثلا هل سيكون مستوى الشخص أفضل لو نزعنا ساعتين من وقت اللعب واستبدلناها بكرة السلة؟ الإجابة ببساطة لا، بعيدا عن تحسين لياقته البدنية طبعا.
دراسة* خاصة وعميقة شملت مجموعة من الأطفال في سن التمدرس (في سنواتهم الأولى في المدرسة) أظهرت نتائج عكسية تماما لما كان منتظرا منها، الأرقام تختلف بين الأطفال، لكن النتائج تقول أن من لا يملك جهاز ألعاب يملك حظوظا أكبر بأربع مرات بأن يرسب مقارنة بالذي يملكه، مالسر وراء ذلك؟ الأمر بسيط، الطفل الذي يلعب يصبح قادرا على التعامل مع المعلومة بشكل أفضل، التفاعل مع الأشياء بشكل أسرع وحل المشاكل البسيطة بشكل أفضل من غيره من الأطفال، الدراسة تقول أيضا أن الألعاب من الأشياء التي تجعل الطفل يركز بشكل كامل ولساعات على شيء واحد وهكذا تغدو قدرة العقل على التركيز لفترات طويلة أسهل.
حسنا، من جهة أخرى، الإكثار من ألعاب الفيديو للأطفال في سن التمدرس تسبب الإرهاق، واللعب ما بعد المساء لساعات طويلة يجعل الطفل خمولا، الأمر الآخر أن الأطفال الصغار الذين يركزون وقت فراغهم على الألعاب فقط يعانون من السمنة مع تقدمهم في السن ما يعني أسوء النتائج في المواد الذي تحتاج لمجهود بدني، كلها أشياء ذكرتها الدراسة كأسباب سلبية لألعاب الفيديو، هكذا توجب تحديد فترات معينة للعب للطفل الصغير بالتركيز أيضا على نشاطات رياضية قد تتعلق بالمشيء فقط، كما يتوجب الابتعاد على ألعاب الفيديو في ساعات قليلة ما قبل النوم.
*دراسة فرنسية من مؤسسة نيور الفرنسية للدراسات المتعلقة بالأطفال، قام بها الباحث Astreau.
الألعاب تؤثر على نشاط دماغك، يالها من مزحة سخيفة، لعل هكذا يتم الرد من لاعب على شخص يتهم ألعاب الفيديو بكونها مصدرا للمشاكل الصحية، لكن الأمر صحيح حقا، فالألعاب تؤثر على نشاط عقلك، ولا علاقة لهذه الدراسة* باللاعبين الصغار، الدراسة لا تقول، وإنما نتائج الدراسة تقول، هذه الدراسة لم تتعلق بالملاحظة وحسب بحيث تم مراقبة نشاط الدماغ. مجموعة من الأشخاص قضوا ولمدة شهرين (60 يوما) 30 دقيقية يوميا على لعبة Super Mario 64، مجموعة آخرى أمضت المدة نفسها دون تجربة أي لعبة، ومن تم استخدام تصوير الرنين المغناطيسي لمراقبة نشاط الدماغ بشكل دقيق.
الدماغ يتأثر بشكل كبير بألعاب الفيديو، الألعاب تؤثر على مادة الدماغ الرمادية وتحسن من القدرات الحركية لليدين، التأثير المباشر على الدماغ يتبث أن الدماغ يصبح أكثر نشاطا مساعدا بذلك على تحسين القدرة على اتخاذ القرارات. الأمر المثير للاهتمام أنه يمكن تصميم ألعاب بشكل ينشط أماكن معينة من الدماغ، والدراسة التي ستتلوها دراسات آخرى تؤكد على إمكانية معالجة مجموعة من الأمراض بألعاب الفيديو كألزهيمر، الألعاب لن تكون عادية وإنما مصممة لتُغير الطريقة التي يتفاعل فيها العقل مع الأشياء التي أمامه.
الألعاب من جهة آخرى قادرة على التأثير على الدماغ بشكل سلبي بلعب ألعاب معينة، وتأثير الألعاب يتغير من لعبة لآخرى ومن شخص لآخر أيضا، البعض منها يسبب حالات مرضية مختلفة لدى اللاعبين، يمكن تجنبها بتفادي هذه الألعاب والتركيز على الألعاب التي لا تسبب شيئا للاعب ولا حاجة للتخلي عن ألعاب الفيديو بشكل كامل، الأمر شبيه بالأطعمة التي تسبب لبعض الأشخاص حساسية من نوع ما، في حين لا تمس الأشخاص الآخرين، وهنا الفئة الأولى ستوقف استهلاك النوع الذي لا ينساب عاداتها الصحية، أما الفئة الثانية فلن تغير من عادات استهلاكها لنوع معين بناء على حالات خاصة.
*دراسة من مكتب Max Planck للدراسات مع مجموعة من الباحثين.
العيب في الغالب أن من يرى الألعاب شيئا سلبيا يسقط عيبوها على كل الأشخاص، وعلى كل اللاعبين، الشيء الذي لا يبدو منطقيا كون اللاعبين يتشاركون الهواية، لكن لا يتشاركون حياتهم واهتماماتهم، ولكم مثال هذه الدراسة* التي تظهر أن لجهاز الـWii وتحكمه منافع على الأطباء المتخصصين في الجراحة، الدراسة قامت بمراقبة نشاط 42 طبيبا جراحا لهم خبرة بسيطة في الجراحة العميقة وفي ألعاب الفيديو، نصف هذا العدد قام بتجربة ألعاب بسيطة على الـWii لساعة واحدة ليوم واحد في الأسبوع، أما البقية فتابعوا حياتهم بشكل عادي دون المساس بجهاز ألعاب.
النتائج بعد اختبار ما بعد الدراسة كانت لصالح الجراحين “اللاعبين” بعد أربعة أسابيع، التفوق كان واضحا، علما أن الدراسة متعلقة بالجراحة العميقة التي يتطلب فيها إدخال كاميرا للعضو المعين والتحكم بكل شيء عبر أدوات خاصة، استخدام الـWii وتحكمه يحسن من مهارة ذلك والتفاعل بين الطبيب وما يحرك به الكاميرا للقيام بالجراحة يصبح أسهل. الأمر قد يعني أنه بالإمكان تصميم ألعاب مخصصة لتحسين تفاعل الأطباء وتركيزهم، خارج ألعاب محاكاة، لأن التجارب بالأساس تكون على برامج مخصصة تحاكي الجراحة الحقيقية.
*دراسة من جامعة روما.
0 التعليقات:
إرسال تعليق